ثمة نبوءة يتداولها البعض تقول إن البابا فرنسيس هو البابا الأخير للكنيسة الكاثوليكية. وثمة بعده طوفان الله وموار السماء. الكنيسة الكاثوليكية نفسها لم تلحق اسم البابا فرنسيس برقم يشير إليه. هو أول فرنسيس، لكنه ليس فرنسيس الأول. أهي إشارة أم محض ترتيب كهنوتي؟
البابا فرنسيس يريد استبدال الصليب الذهبي بصليب خشبي، ويريد إعادة الكنيسة للفقراء. للبابوات أسبابهم ومبرراتهم. ما يلفت ويترك أثرا، ليس البحث في أسباب البابا ومبرراته. هذا إذا كان ثمة مجال لترك أثر بعد. إنما فلنقم بمحاولة سيزيفية أخرى.
كل كتابة، منذ القرن السادس عشر، تطمح أن تترك أثرا. منذ ذلك القرن المرعب، لو أردنا قياسه على مقياس الأهوال، تعاقبت سلطات وكنائس وبابوات وكتاب وسياسيون وفنانون لنقش آثارهم على صخور التاريخ أملا بخلود ما. الكنيسة الكاثوليكية على وجه من الوجوه رفضت طوال القرون الخمسة الماضية أن تغادر القرن الخامس عشر. منذ أنهى مايكل أنجلو أعماله الباهرة في كنيسة سيستين بالفاتيكان، والكنيسة الكاثوليكية منظورة بحرسها وبابواتها وتعاليمها وخطب كاردينالاتها وكتابها المقدس. بقيت تلك الكنيسة أمينة للقرون الوسطى وما سبقها. الكتاب المقدس، شأنه في ذلك شأن كل الكتب المقدسة، كتاب مغنى، يرتل كما ينشد غيره ويجوّد. وواقع أنه كتاب مغنى يعني في مقدم ما يعني، أن ثمة رغبة حارة، وقد استمرت حارة على مدى قرون، في نقله من الصعيد الكتابي إلى الصعيد الشفهي. بهذا لا يبقى الكتاب كتابا، يلفه مرض العتمة لأسباب ومقادير غامضة، أو يبرّئه النور أيضا لأسباب ومقادير غامضة. يتحول الكتاب المقدس حين يصبح كتابا مغنى إلى تعاويذ صوتية، توحد بين الجميع، حتى لو كانوا من غير المؤمنين. الترتيل وأصوات الأجراس يراد لها أن تكون مألوفة حتى للكفرة والهراطقة. وهذا الأمر ينطبق بصورة مماثلة ومطابقة على إنشاد التوراة وتجويد القرآن. الأديان سعت منذ البدء إلى جعل كلام الله مألوفا ومسموعا. أما الذين استمروا يتعاملون مع الكتب السماوية بوصفها نصوصا مكتوبة فتحولوا رهبانا، سواء كانوا كفرة وملحدين ومجدفين أم كهنة وعلماء دين. فولتير لا يقل ترهبنا عن القديس أوغسطين.
يمكن اعتبار القرن السادس عشر مفصليا في تاريخ الكنيسة، وفي التاريخ البشري على حد سواء. أعطانا ذلك القرن البارود والمطبعة وأميركا. المطبعة أحلت الكتاب محل الكاتدرائية. ويبدو أنه كان مؤهلا للبقاء أكثر منها لأن دوامه يتعلق بقدرته على التناسخ بلا نهاية. آلاف النسخ تصدر من فم المطبعة دفعة واحدة، نسخ متماثلة، هي عبارة عن كاتدرائيات جيب، يمكن لفها وتأبطها ووضعها في الجيوب والمحافظ.